الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
والحاصب العارض الرامي بالبرد والحجارة.تارة مرة وتجمع على تير وتارات.قال الشاعر: القاصف الذي يكسر كل ما يلقى، ويقال قصف الشجر يقصفه قصفًا كسره.وقال أبو تمام: وقيل: القاصف الريح التي لها قصيف وهو الصوت الشديد كأنها تتقصف أي تتكسر.{ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله إنه كان بكم رحيمًا وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلاّ إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورًا أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبًا ثم لا تجدوا لكم وكيلًا أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى فيرسل عليكم قاصفًا من الريح فيغرقكم بما كفرتم ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعًا}.لما ذكر تعالى وصف المشركين في اعتقادهم آلهتهم وأنها تضر وتنفع، وأتبع ذلك بقصة إبليس مع آدم، وتمكينه من وسوسة ذريته وتسويله ذكر ما يدل من أفعاله على وحدانيته، وأنه هو النافع الضار المتصرف في خلقه بما يشاء، فذكر إحسانه إليهم بحرًا وبرًا، وأنه تعالى متمكن بقدرته مما يريده.وإزجاء الفلك سوقها من مكان إلى مكان بالريح اللينة والمجاديف، وذلك من رحمته بعباده وابتغاء الفضل طلب التجارة أو الحج فيه أو الغزو.والضر في البحر الخوف من الغرق باضطرابه وعصف الريح، ومعنى {ضل} ذهب عن أوهامكم من تدعونه إلهًا فيشفع أو ينفع، أو {ضل} من تعبدونه إلاّ الله وحده فتفردونه إذ ذاك بالالتجاء إليه والاعتقاد أنه لا يكشف الضر إلاّ هو ولا يرجون لكشف الضر غيره.ثم ذكر حالهم إذ كشف عنهم من إعراضهم عنه وكفرانهم نعمة إنجائهم من الغرق، وجاءت صفة {كفورًا} دلالة على المبالغة، ثم لم يخاطبهم بذلك بل أسند ذلك إلى الإنسان لطفًا بهم وإحالة على الجنس إذ كل أحد لا يكاد يؤدّي شكر نعم الله.وقال الزجاج: المراد بالإنسان الكفار، والظاهر أن {إلاّ إياه} استثناء منقطع لأنه لم يندرج في قوله: {من تدعون} إذ المعنى ضلت آلهتهم أي معبوداتهم وهم لا يعبدون الله.وقيل: هو استثناء متصل وهذا على معنى ضل من يلجؤون إليه وهم كانوا يلجؤون في بعض أمورهم إلى معبوداتهم، وفي هذه الحالة لا يلجؤون إلاّ إلى الله والهمزة في {أفأمنتم} للإنكار.قال الزمخشري: والفاء للعطف على محذوف تقديره أنجوتم فأمنتم انتهى.وتقدم لنا الكلام معه في دعواه أن الفاء والواو في مثل هذا التركيب للعطف على محذوف بين الهمزة وحرف العطف، وأن مذهب الجماعة أن لا محذوف هناك، وأن الفاء والواو للعطف على ما قبلها وأنه اعتنى بهمزة الاستفهام لكونها لها صدر الكلام فقدمت والنية التأخير، وأن التقدير فأمنتم.وقد رجع الزمخشري إلى مذهب الجماعة والخطاب للسابق ذكرهم أي {أفأمنتم} أيها الناجون المعرضون عن صنع الله الذي نجاكم، وانتصب {جانب} على المفعول به بنخسف كقوله: {فخسفنا به وبداره الأرض} والمعنى أن نغيره بكم فتهلكون بذلك.وقال الزمخشري: أن نقلبه وأنتم عليه.وقال الحوفي: {جانب البر} منصوب على الظرف، ولما كان الخسف تغييبًا في التراب قال: {جانب البر} و{بكم} حال أي نخسف {جانب البر} مصحوبًا بكم.وقيل: الباء للسبب أي بسببكم، ويكون المعنى {جانب البر} الذي أنتم فيه، فيحصل بخسفه إهلاكهم وإلاّ فلا يلزم من خسف {جانب البر} بسببهم إهلاكهم.قال قتادة: الحاصب الحجارة.وقال السدّي: رام يرميكم بحجارة من سجيل، والمعنى أن قدرته تعالى بالغة فإن كان نجاكم من الغرق وكفرتم نعمته فلا تأمنوا إهلاكه إياكم وأنتم في البر، إما بأمر يكون من تحتكم وهو تغوير الأرض بكم، أو من فوقكم بإرسال حاصب عليكم، وهذه الغاية في تمكن القدرة ثم {لا تجدوا} عند حلول أحد هذين بكم من تكلون أموركم إليه فيتوكل في صرف ذلك عنكم.و{أم} في {أم أمنتم} منقطعة تقدر ببل، والهمزة أي بل {أمنتم} والضمير في {فيه} عائد على البحر، وانتصب تارة على الظرف أي وقتًا غير الوقت الأول، والباء في {بما كفرتم} سببية وما مصدرية، أي بسبب كفركم السابق منكم، والوقت الأول الذي نجاكم فيه أو بسبب كفركم الذي هو دأبكم دائمًا.والضمير في {به} عائد على المصدر الدال عليه فنغرقكم، إذ هو أقرب مذكور وهو نتيجة الإرسال.وقيل عائد على الإرسال.وقيل: عليهما فيكون كاسم الإشارة والمعنى بما وقع من الإرسال والإغراق.والتبيع قال ابن عباس: النصير، وقال الفراء: طالب الثأر.وقال أبو عبيدة: المطالب.وقال الزجّاج: من يتبع بالإنكار ما نزل بكم، ونظيره قوله تعالى: {فسواها ولا يخاف عقباها} وفي الحديث: «إذا اتّبع أحدكم على ملىء فليتبع» وقال الشماخ: ويقال: فلان على فلان تبيع، أي مسيطر بحقه مطالب به.وأنشد ابن عطية: أي مطالب بحقه.وقرأ ابن كثير وأبو عمر: ونخسف وأو نرسل وأن نعيدكم وفنرسل وفنغرقكم خمستها بالنون، وباقي القراء بياء الغيبة ومجاهد وأبو جعفر فتغرقكم بناء الخطاب مسندًا إلى الريح والحسن وأبو رجاء {فيغرقكم} بياء الغيبة وفتح الغين وشد الراء، عدّاه بالتضعيف، والمقري لأبي جعفر كذلك إلاّ أنه بتاء الخطاب، وحميد بالنون وإسكان الغين وإدغام القاف في الكاف، ورويت عن أبي عمرو وابن محيصن.وقرأ الجمهور: {من الريح} بالإفراد وأبو جعفر من الرياح جمعًا. اهـ.
أي تفارقني وتذهب عني فلا أتعلل بعلة وهذا أظهر، نعم الضلال راجع إلى الذكر لا بمعنى إضماره فإنه ركيك يقال ضل عن خاطري كذا إذا لم تذكره فإنه ضلال له لا أنه ضلال ذكره ولا تقول ضل عن خاطري ذكره وكذلك ضلني الأمر اه، والدعاء في هذا على ظاهره؛ والاستثناء متصل بناء على أن ما عبارة عن المدعوين مطلقًا وأنهم كانوا يدعون الله تعالى وغيره في الحوادث، وإن كانت ما عبارة عن آلهتهم الباطلة فقط وأنهم كانوا في حالة السراء يدعونها وحدها كما يدل عليه ظاهر ما بعد فالاستثناء منقطع، وفسر الدعاء على هذا بدعاء العبادة واللجأ.وقال أبو حيان: الظاهر الانقطاع لأنه تعالى لم يندرج في من تدعون إذ المعنى ضلت آلهتهم أي معبوداتهم وهم لا يعبدون الله تعالى.وتعقب بأن مقتضى كونهم مشركين أنهم يعبدونه سبحانه أيضًا لكن على طريق الإشراك بل قولهم {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرّبُونَا إِلَى الله زُلْفَى} [الزمر: 3] كما قص سبحانه عنهم يقتضي أنه جل مجده المعبود الحقيقي عندهم، وقد يقال: إن الشارع أسقط مثل هذه العبادة عن درجة الاعتبار فهم غير عابدين الله جل وعلا شرعًا بل قيل إنهم غير عابدين لغة أيضًا لأن العبادة لغة غاية الخضوع والتذلل ولا يتحقق ذلك مع الشركة ولو على الوجه الذي زعموه فتأمل.
|